الاعتراف بالآخر : الترجمة و الجندر
*د.عادل الثامري
الترجمة هي طريقة جيدة للتحاور مع و التعلم من الاخر (فيفيان ايدن)
لقد اثرت نتائج الحركة النسوية في سبعينيات القرن العشرين على مجمل الحركة الثقافية لمابعد الكولينيالية و خصوصا في مجالي انتاج النصوص و استقبالها و توسعت دراسة الترجمة و علاقتها بالجندر(النوع الاجتماعي) وذلك لأن الترجمة تساهم في نقل الافكار و المواقف الاجتماعية و السياسية فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي و تمظهره الثقافي البيني. و قد حدث في اواسط التسعينيات اهتمام غير مسبوق في الاصدارات التي تهتم بهذا الموضوع. بيد ان جندرة الترجمة و كما يقول لوري تشامبرلين تعود الى حوالي عام 1654 عندما صاغ الفرنسي جيل ميناج مقولة "الخائن الجميل" و هذه المقولة تقارب الانشغال العبر- ثقافي بالامانة في الترجمة و الزواج حيث ان النص المترجم الى الفرنسية كان جميلا لكنه ليس امينا. اي ان الجمال و الامانة او الاخلاص يقصي احدهما الاخر، ووصل الامر الى تشبيه الترجمة بالجنس او الاغتصاب!! هذا الصراع بين الجمال و الاخلاص هو ذات الصراع بين الحرف و الروح في الثقافة الغربية
و مع الاتجاه الهرمنيوطيقي استمرت جندرة الترجمة فقد تحدث شتاينر (1975) عن ان المترجم يأسر او يمسك نصا ويخترقه ،في فعل يمكن مقارنته وبوضوح بالامتلاك الايروتيكي و هذه الفكرة متاثرة برأي ليفي شتراوس الذي يرى ان البنية الاجتماعية هي محاولة التوازن الدينامي الذي يتحقق بفعل تبادل الكلمات، و النساء، و البضائع المادية؛ و ضمن الاطار التفكيكي، استعمل دريدا مصطلحات الاختلاف الجنسي وقد شكك بالامانة في الترجمة فقانون الترجمة يتطلب مخالفة (transgression ) لذا فالامانة مستحيلة .و يفهم دريدا عملية الترجمة على انها" فض البكارة، اختراق او انتهاك النص الاصل، و عندها يؤنثن بطريقة جنسية كريهة"، و مصطلح البكارة هنا رابط بين عذرية النص ولا عذريته.
ان الانعطافة الثقافية في الدراسات الترجمية اضافت بعدا جديدا لهذه الدراسات حيث عدت الترجمات نتاجات للتمثيل الثقافي اي انها امثلة عن صيرورة تاملية ترتبط عضويا بانماط الاتصال الاخرى. و النسوية هي احدى اهم امثلة الهوية الثقافية التي اكتسبت مكانة بارزة في الميادين اللغوية و الاجتماعية و السياسية.. و كان الارتباط بين الترجمة و النسوية ممكنا بسبب الانشغالات المشتركة باللغة: اي عدم الثقة بالانتظامات الهرمية و الادوار المجندرة لقواعد تحديد و تعريف الامانة في الترجمة و كما تقول شيري سايمون:" تهتم كل من النسوية و الترجمة بكيفية تعريف وتقعيد (الثانوية)؛كلاهما اداتان لفهم نقدي للاختلاف كما يمثل في اللغة".
تؤكد شيري سايمون في كتابها (الجندر في الترجمة:الهوية الثقافية و سياسة النقل) الصادر عام 1996 ان الخط بين الجندر و الترجمة قد يتمثل بالشعار الذي يقول "لأن جميع الترجمات فيها بالضرورة نقص فقد عرفت بانها اناث". و دافعت سايمون عن الحاجة الى اعادة تعريف الامانة بوساطة اعادة تأطير مفهومي للترجمة. اي كانت تعد الترجمة "يدا غير مرئية تدير و بصورة ميكانيكية كلمة احدى اللغات الى الاخرى". و طالما ان المترجم لم يعد ينظر اليه ناقلا للحقيقة من لغة/ثقافة الى اخرى بل انه يعيد خلقها، فان اعادة النظر في الترجمة ينطوي على اعادة النظر في هوية القائم بالترجمة بوصفها هوية مؤلف مشارك للنصوص المترجمة.
لقد قدمت العديد من النصوص النقدية العلاقة بين المؤلف و المترجم وبين الاصل و الترجمة بمصطلحات جنسية. لقد قدم لوري جامبرلين دراسة موسعة للمجازات و الاستعارات الجنسية التي تستعمل و بالحاح عبر العصور لتوصيف العلاقة الثنائية: مؤلف/ مترجم، الاصل / الترجمة.حيث يقال ان الاول هو الاقوى.عادة ما توصف العلاقة بين الابداع و الاصالة في الثقافة الغربية بمفهوم الابوية، في حين يسند الدور الثانوي للانثى. وهذا هو السبب في الافراط في تنظيم الترجمة ذلك انها تهدد بمحو الاختلاف بين الانتاج و اعادة الانتاج ، هذا الاختلاف الذي يعد جوهريا لتأسيس السلطة.
اما لويس فلوتو في كتاب (الترجمة و الجندر:الترجمة في "عصرالنسوية") الصادر عام 1997 فتربط بين الحركة السياسية النسوية و الترجمة.، اي كيف اثرت السياسة الثقافية
المأخوذة من حركة المرأة و النسوية على الكتابة و الترجمة و كيف ان الترجمات عند مقاربتها من منظور نسوي يمكن ان تعد و كأنها بحاجة الى تنقيح و اعادة ترجمة و كيف تتلاقى النظريات النسوية و نظرية الترجمة. وتؤكد فلوتو ان الترجمة النسوية تركز على حقيقة ان السياق الثقافي و الاجتماعي للحركة النسوية يرتبط و بقوة بترجمة النساء في مجتمع كيوبيك الكندي. فهي تسمي و تصف ثلاثة ممارسات للترجمة النسوية: كتابة الملاحق ،و كتابة المقدمات و الهوامش و الاخير يلامس الجوانب الاكثر اثارة للجدل و الاشكال للترجمة النسوية.تشير فلوتو الى مقاربة نص ما ،ليست مقاصده نسوية بالضرورة، من قبل مترجمة نسوية و كان مثالها هو الترجمة النسوية لنص ليز غافن (رسائل من اخر) من قبل سوزان دو لوتبينييه-هاروودز ، استعملت المؤلفة صيغة المذكر العام في نصها؛ و قامت المترجمة بـ" تصحيح" اللغة متفادية مصطلحات الذكورة النوعية .و قد بينت المترجمة في مقدمتها :" ان ممارستي الترجمية هي فعالية سياسية هدفت الى جعل اللغة تتكلم لصالح المرأة. لذا فان توقيعي على الترجمة يعني: هذه الترجمة قد استعملت كل إستراتيجية ترجمية لتجعل المؤنث مرئيا في اللغة."
تناقش كارول
مائير ان " ان مهمة المترجم ليس الاسكات بل منح الصوت، لتوفير نصوص تثير اسئلة صعبة و تفتح منظورات. من المهم انه للمترجمات النساء ان يصلن الى ما تحت جلد الاعمال المخاصمة و المتعاطفة. عليهن ان يكن مستقلات،"يقاومن" المترجمين الذين لايدعون النصوص المخاصمة تتكلم فحسب و انما يتكلمون معها و يضعونها في سياقات اكبر عبر مناقشتها و عبر عملية الترجمة".
تطرح فانيسا ليوناردي في كتابها(الجندر و الايديولوجيا في الترجمة) فرضية ان الرجال و النساء يترجمون بشكل مختلف و بالنتيجة "قد تكون بعض التراجم نتاج الاختلافات في كل من جنس المترجمين وجنس مؤلفي النص المصدر ، و انواع النصوص المختلفة المختارة للترجمة و/او المهادات السوسيو-ثقافية.
و قد اثرت مواقف الحركة النسوية على ترجمة الكتاب المقدس ، فقد طرحت مجموعة من الاراء تراوحت بين الدعوة الى اعادة النظر في طريقة تقديم النص ذلك ان النص مكتوب بلغة الانسان و هي تعكس اراءه و انشغالاته و لا تحمل منظورا قدسيا اما النظرة الثانية فهي التي تعد النص المقدس(الكتاب المقدس) نصا تكامليا لذا فان النظر في اصلاح اللغة يعد امرا تدفعه ايديولوجيا البشر التي تعكس التعاليم الانجيلية الواضحة. و هاتين النظرتين لهما جمهورهما من الكتاب و المفكرين. و قد ادى ذلك الى تنوع ترجمات الكتاب المقدس، و قد طرحت مسألة الاسماء و الضمائر . و قد طرحت فكرة ترجمة الجندرالمحايد التي تنطوي على ازالة كل ضمائر الشخص الثالث و ربما ابدالها بضمير الشخص الثاني و قد ينطوي هذا احيانا على تغيير بنية الجملة.و قد اعيدت كتابة بعض كتب الصلاة بهذه الطريقة.بيد ان المحافظين قد رفضوا هذا التوجه جملة و تفصيلا. و لقد كان للنقاش الدائر حول المكافيء الشكلي و المكافيء الوظيفي دور في تعدد تراجم الكتاب المقدس و كذلك في ظهور نسخ اللغة المحايدة ، اي اللغة المحايدة فيما يخص الجندر او اللغة التي تضمن الاشارة الى الجنسين او النوعين الاجتماعيين. لقد صدرت ترجمات كاملة للانجيل متبعة سياسة الترجمة المحايدة : (نسخة القرن الجديد) و(انجيل الاطفال العالمي) . و انجيل الاطفال العالمي هو نسخة مبسطة عن نسخة القرن الجديد ظهرت عام 1986. لم يذكر في مقدمة انجيل الاطفال اي شيء عن سياسة الترجمة المحايدة و لكن مقدمة نسخة القرن الجديد تحدثت عن هذه السياسة في الترجمة. حيث كان الهدف من نسخة القرن الجديد جعل الانجيل واضحا و سهل الفهم.و اعتمد المترجمون في اختياراتهم للمفردات على قائمة من الكلمات يستعملها محررو (موسوعة كتاب العالم) لتحديد المفردات المناسبة.
يتواصل الاهتمام بالعلاقة بين الترجمة و الجندر لينتج حقلا بحثيا مثمرا يشتمل على ميادين مثل: الدراسات التاريخية التي تهتم بمن يترجم ماذا واين و كيف، و كيف يؤثر الجندر في هذا الامر؛ الدراسات النظرية و التي تتناول كيف تتمظهر الانتماءات المختلفة للنوع الاجتماعي و تعريفاته وانشاءاته في الترجمة و البحث الترجمي؛ موضوعات الهوية ، كيف ان الهوية المجندرة او الهوية التي ينقصها هذا الامر تؤثر على الترجمة و البحث الترجمي، و الاسئلة مابعد الكولينيالية مثل امكانية تطبيق الجندر الانكلو-امريكي في الثقافات الاخرى و نصوصها ، و هل يمكن ترجمته الى لغات اخرى؟ فضلا عن اسئلة اخرى.
اكاديمي عراقي
للعــــــــــــــــودة للصفحـــــــــــــة الرئيـــــــــــــــة – العــدد العااشـــــر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق