الثلاثاء، 1 مارس 2011

تكسـت العـدد العاشـر: في المسرح الشعري الموروث من التوظيف إلى التمثل * جاسم عاصي مدخل




في المسرح الشعري

الموروث من التوظيف إلى التمثل

* جاسم عاصي

مدخل

تثير حالة العلاقة بالموروث في النص بشكل عام ، إشكالية كبيرة . ذلك لأن هذا التوظيف يتخذ له مناحي متعددة وأشكالا ً متباينة . وهذا راجع إلى أولا ً: الإحساس بقدرة الموروث على الحركة والتنامي داخل النص المعاصر من خلال فهم حركته ونموه واستقرائهما . على الرغم من ثباته كمدونة في الذاكرة الجمعية . وثانيا ً : طبيعة هذه المعرفة الجدلية التي لا تتعامل مع المفردة على أساس الانفعال ومن ثم التعامل معها على المستوى نفسه . إن هذا النهج في الاهتمام بالموروث تحققه اعتبارات ؛ كونه يمتلك متحركا ً باتجاه حركة الواقع المعاصر . فهو يستفز سكونيته المفترضة . لذا فهو قديم قدم المدونة الأدبية الإبداعية. ولكي نقف على هذا التعامل لابد أن نورد عيـّنة هي ليست قياسا ً بقدر ما هي نوع من التأسيس امتلك خصائصه . ذلك لأن نظرتنا إلى مثل هذه الممارسة وهذا الاشتغال عبر كل التاريخ الأدبي من خلال نظرة جدلية ، مما يحيلنا إلى الخصائص الذاتية للنص ، عبورا ً إلى المؤثر وليس العكس . فالظاهرة الأدبية لا تبتعد عن الظواهر العامة في الواقع . والذي نقصده هنا مركز العلاقة ، كونها حالة إنتاجية تشكل ذاتيتها عن طريق التمرئي في نص أو نصوص أو ظاهرة تاريخية وفق رؤية ( جينيث ) في أطراس الكتابة والتحرير . هنا لابد من التأكيد على أن هذا المرئي قديم جدا ً ، وما رؤية ( جينيث ) سوى التفاتة نظرية وليس تأسيسا ً شأنه شأن رؤية ( الخليلي ) للإيقاع والوزن في الشعر . وهنا لابد من التأكيد على طبقات النص وتشكيلاته ، بدءاً من خارجه باتجاه الذات ـ الداخل ـ أو حركة النص الذاتية . وهذا أكثر دقة . وإن أسطع وأقرب مثل على ذلك ،وأبعده زمانا ً نص ( هو الذي رأى كل شيء ) . أو ما اتفق عليه ( ملحمة جلجامش ) . وهنا يتوجب الإشارة إلى أن العنوان الأول ذو منحى أبعد في رؤية المستقبل ، ويرتبط بالذات وبالواقع المحيط فيها ، ثم النسق داخل النص . بينما الثاني يعني سيرة خالصة . لكن ما يهم هو التناصّ والتوظيف في النص . فهو أولا ً : تناصّ مع السيرة الذاتية لخامس ملوك ( أوروك ) وثانيا ً : التعامل مع النصوص السابقة في عدم إلغائها . بمعنى التمرئي فيها ،والكتابة على نفس الطـُرس بعد انمحاء ما كـُتب على سطحه.غير أن التحرير الجديد دون الأصل لا يشكّل شيئاً ، أي دون السيرة العامة كالأخبار والخصائص الذاتية وطبيعة المرحلة السياسية في منظومة ( أوروك ) الفكرية والاجتماعية والدينية . بما فيها قصة الطوفان وتاريخ ( اوتونبشتم وأنكيدو ) و( بحر الظلمات وغابة الأرز ) أو الانجازات التي أقدم عليها ( جلجامش ) الجديد وعلاقته بالدويلات المجاورة ..الخ . كل هذا لا يتشكـّل دون التمرئي ـ كما ذكرنا ـ بنص آخر ، وبعدها تتشكـّل طبقات من التأليف الجديد ، كما حصل للملحمة . من هذا نخلص إلى أن اشتغالنا على الموروث ليس جديدا ً ، بل هو مستنبت أرثيا ً تناقلته الذاكرة الجمعية واستفادت منه الذاكرة المنتجة للخطاب باستثماره في حقل الإبداع . وهو ما يشير إلى مجموعة التأليف العربية التي اعتمدت طبقات من التأليف .

من هنا نعتبر نص( حليب أسود ) للشاعر ( المتوكل طه ) واحدا ً من هذا الاشتغال ، وهو مستقل في ممارسته وله خصائصه وتميزه ،يضاف إلى تجارب ( الشرقاوي ومحمد علي الخفاجي وعبد الرزاق عبد الواحد ومهدي السماوي وصلاح عبد الصبور ومعين بسيسو ورضا الخفاجي ) في المسرح الشعري . غير أننا لابد أن نشير إلى نمطين من هذا الاشتغال الأول : يخص الظاهرة بشكل عام ، فأنها معنية في التمثل والصياغة . أي الدخول في المتن وبهذا ابتعدت عن نمط الاقتباس والتضمين والإشارة نحو التوظيف . والثاني :إن (حليب أسود ) هو اشتغال له خصوصياته التشكيلة الشعرية التي تُبعد النص عن التجارب السابقة التي هي الأخرى لها خصوصيتها .

من هذا التقديم نرى أن ما سبق تشخيصه من فعاليات التوظيف هذا قرّبنا من التجارب الأخرى ، لكي يتاح لنا فحص تجربة ( المتوكل طه ) عن كثب .

التشكيلات

تبدأ النظرة إلى الديوان من باب الشمولية باعتباره قطعة أدبية واحدة تؤثر وتتفاعل بنيويا ً مع تحقيقاتها . وفي هذا تبدأ من العنوان ( حليب أسود ) ، وهو عتبة أو ثريا شكّلت في النص المعاصر علاقة بنيوية ولها تشكلها داخل النص . فهي لم تعد عنواناً بقدر ما هي ثريا ضوئية تبث نورها داخل المتن ، وتستمد مقوماتها من داخله . وبالتالي تدل على مهارة في الصياغة تتخذ لها وظيفة دلالية باتجاه النص ذاته . أي المعنى العام الظاهر والمخبأ فيه أيضاً .لذا فأن التشكـّل هنا يبدأ من الثريا نحو المتن والشكل الفني ، ونعني فيه المعنى المتواصل من العنوان باتجاه داخل النص ، ثم المبنى أو الشعرية التي تمتد على النسق نفسه ( حليب أسود ) . إذ تمتلك منحيين الأول : هو الإحالة والإشارة إلى محتوى يدير مجموعة علاقات تشي فيها صورة الحليب كنقاء واللون الأسود كمغايرة . هذه المفارقة تقود إلى معنى يشير إلى المغايرة المتمركزة في التلوث . والثاني : بنيوي ، أي لغوي وشعري . فالبياض الصفة الدائمة للأشياء وهي أصل التشكـّل ، تتحول هنا إلى صفة السواد ـ مغايرة ـ . بهذا تكمن صفة وكناية دالة على موقف . وفي المجال العام نجد أن العنوان اشتغل بشكل حيوي داخل النص . لا باعتباره مسألة تمهيدية للنص ، بل إشارة إلى خاصية عامة لمجمل حركته من الداخل ، كذلك نمّت عن صياغة شعرية . وهو ثريا فائقة الدلالة والاشتغال . وتأتي عبارة عن ( هارون الرشيد والبرامكة ) أسفل العنوان لتتخذ لها منحى المتن التاريخي . وهنا لابد من الوقوف على ما شكّله المتن كإشارة اتخذت لها مغايرة ومغادرة ، على الرغم من سيره بشكل متوازن مع التاريخي من المتن . غير أنه تجاوز ذلك إلى الحسّي والشعوري منه . وإذا لاحظنا أنه بذات النمط التشكيلي الذي اعتمدته ( ملحمة جلجامش ) ونقصد فيها تفرد الشكل باتجاه المعنى . وللتوضيح نذكر : إن سردية النص الشعري هنا جاءت لتفيد من نمط ـ الروي ، السرد ، الحوار ، التحليل ، الإخبار ، الوصف ـ وغيرها . هذه الأسس بنت نصاً مغايراً غادر نمط الوثيقة التاريخية باتجاه ذاتية الاستقراء وتشكّل الحيّز التاريخي على أساس ما حفظه العقل الجمعي والفردي من صور ومعاني. بمعنى التخلص من هيمنة المدوّن نحو تخليقه . وهذه ملاحظة عالجناها مراراً في ما كتبناه عن التعامل مع الموروث في الأدب السردي العراقي ،حيث تركز في نمط نجده اصطلاحا ً بـ( التخليق ). من هذا أجد في ( حليب أسود ) ما يلي :

* إن كلمة (شعر ) يمكن تجاوزها إلى ( ملحمة ) . وهو افتراض قرائي ، أي إجراء يحققه المتلقي ، استناداً إلى منتج يمتلك مثل هذه الخصائص .

* وصف (هارون الرشيد ) بعبارة .. الذي ربح كل شيء وخسر كل شيء .. هي عبارة يمكن التراسل معها كثيراً لما فيها من طاقة في التعبير الدلالي ، وما يبعدنا عن منطقة الاشتغال عن المتن لتشكيل موقف سياسي .

* أجد مبرراً موضوعياً في مقدمة الشاعر ( سميح القاسم ) للديوان ، ذلك لكونها تشكّل مدخلا ً وإشارة ذات نَفَس نقدي شعري خالص ، ثم إشارة إلى التوظيف كونه مارس شكلاً حديثاً من أشكال التذويب والتماهي وإعادة صياغة الوقائع والشخوص وهذا ما أعنيه بالتخليق كمصطلح .

*أجد مبرراً وجود الكلام وسط المربع7 الطباعي ، لأنه يعني الكثير الذي ولّجته حكمة الاستنساخ والتناسخ . وهي ذات علاقة بما أطلقه الشاعر على هارون الرشيد في ما سبق ذكره .

* لا أجد مبرراً لوجود المقدمة التاريخية كمهاد لحدث ملحمي درامي مكتف بذاته . وذلك لعدة أسباب منها :

1 ـ شكّلت مهاداً تاريخياً وليس إبداعياً .

2 ـ شكّلت متكأ للمتلقي تستنهض كسل التلقي وهذا انسحاب باتجاه تعطيل قدرته في إنتاج النص على اعتباره طرفاً في الإنتاج . فهو مؤلف خارج النص ومهمته تبدأ من داخله في التلقي التدريجي والانفعال . لكنها تتمركز في ذلك خارج النص . ولهذا مرتكزات أجد أن هذا المهاد كان قد خفّفَ من فعالية التلقي .

3 ـ المتن شائع لأن هناك مرسلات مدونة تاريخيا ً( قصص خيالية ، ألف ليلة وليلة ، مساجلات ، أخبار ، سيّر شعراء وخلفاء ) يضاف إليها ما يتوفر عليه العقل الجمعي ـ الذاكرة الجمعية ـ . وهنا حاولت المقدمة التاريخية تبويب ذهن المتلقي باتجاه القولبة وإرباك الاستقبال دون منحه حرية التأمل والاستقراء الجديد وإعادة تشكيل الثيمة التاريخية بينما نرى أن المهاد ساهم في افتراض تشكيل الانحياز إلى المتن ، بينما المطلوب النظر إلى أن ما يشكله النص من علائق داخله تكونه هي الموجهات لذلك.

4 ـ إن ما تقدم هو تشكيلات خارج النص ، بينما نجد في داخله الكثير ؛ منها على سبيل المثال العلائق التي انتظم عليها النص ، بينما المهاد حدد موجهات تسرب تأثيرها إلى المتن الجديد شعوريا ً . ذلك كون ما حسبناه من حساب في تفاوت مستويات التلقي معرفيا ً وإبداعيا ً يتجاوز الانحياز الإيديولوجي نحو النص الإبداعي .

5 ــ لابد أن تكون متحركات النص بخصوص المعنى ، ما يشير إلى الظاهرة . وهذا

حصل فعلا ً داخل النص ، بالابتعاد عن كينونة النص التاريخي . لكن لا يمكن الاعتماد

على المقدمة كمهيمنة شكـّلت سلطة معرفية وموجها للقراءة . بينما العبارة التي أُدرجت

تحت عنوان الديو

ان منحت المتلقي حرية البحث داخل النص .

المـتـن الشعري







عند استقراء قصائد الديوان نجد أنها : أحدثت مغايرة لابد من الإشارة إلى متعلق المقدمة التاريخية في أذهاننا ، مع تبّصر يستدرج المتغيرات ، حيث نجدها تتجه نحو تخليق نص مغاير على أسس ذاتية خالصة كما نراها من خلال ما يلي :

* نص ملحمي استخدم بنية سردية مسرحية ـ وكما ذكرنا ـ . إن ما استخدمه الشاعر من وحدات البناء السردي في النص ، يشير إلى أننا بصدد نص في الشعر المسرحي . ولعل الأصوات هنا واحدة من الإحالات إلى نص السرد أو الملحمة الشعرية ، باعتباره يرتبط برواة ومروية متعددة الأصوات . وهو نمط شاع في الأدب العالمي والعربي حصرا ً .

* إن هذه الأصوات اشتغلت باستقلالية تامة في فرز حيثياتها الذاتية ، بحيث اتجهت في تعبيرها إلى فرز شكلها ونظرتها الذاتية والاجتماعية والسياسية .

* تداخل فيها الموضوعي والذاتي بشكل متواز ، سيّما في استخدام الشاعر من مونولوج داخلي شعري ، أتاح للشخصية أن تتهيأ داخل الفصل من وجهات نظر ذاتية ووجهة نظر الآخر الذي هو ( هارون الرشيد ) ، وحادث احتراب ( الأمين والمأمون ) الذي أحدث مقاربة داخل النص بينها وبين حكاية تاريخية أخرى ؛ هي احتراب ( هابيل وقابيل ) واستبدال السلطة والنسب ، سببّا بديلا ً عن المرأة ونمط الإنتاج الذي كان يعنيه كل من ( قابيل وهابيل ) ونعني فيه النمط الإنتاجي الزراعي والرعوي . وما وجود المرأة إلا ّ كحد فاصل للاحتراب وجدله . بينما السلطة شكّلت بديلا ً حدد الاقتراب بين ( الأمين والمأمون ) ، يضاف إليها النسب العربي والفارسي .

* ظهر النص على شكل مشاهد مسرحية ، استبدل الورق كسطح عن خشبة المسرح ، فقد كان الأداء واضحا ً ، يمتلك كل خصائص الإلقاء المسرحي ـ الملحمي . وهنا لابد من الإشارة إلى أن النص لا يحتاج إلى إعادة إعداد سيناريو عنه ، فيما لو تم تنفيذه على خشبة المسرح ، لأنه امتلك من هذه الخصوصية فقط ما يشير إليه المخرج من استخدام تقنيات المسرح . وما إشارتنا هذه إلا ّ تأكيد على مسرحة النص ـ إن جاز التعبير ـ .

وهناك خصائص تستدرجها القراءة لقصائد فصول الديوان ـ الملحمة ـ . إذ نلاحظ ثمة توازن في استدراج الحكاية من خلال توالي الفصول ، مما سبّب وجود علاقة جدلية في التوالي . ونعني فيها ارتباط وتداخل بين فصل وآخر . وهذا ما أتى فيه الفصل من داخله وخارجه . أي مجموعة الروابط الداخلية في كل نص مع الروابط الخارجية التي تربط بين نص وآخر . وهنا لابد من الإشارة إلى الفصول التي اعتمدت عناوين ، هي إما أسماء علم أو إشارات لنمط . كما سنرى ونؤكد . فالصوت الأول ـ الشاهد ـ يمنحنا صوت راو أولاً ومراقب ثانيا ً، باعتباره صوت شاهد عرف وأفرز وخزن ثم روى من بعد فصلين تاريخي ومعاصر . ذلك لأن ثمة أخبارا ً أو رويا ً وانتظاما ً قصصيا ً ملحميا ً يطغي على الفصول وعلى الشكل الآتي :

{ في صباح جديد

لم ينم قبله الجـُند والحرس الأوفياء

ظل في عرشه }

وهذا استهلال سردي أعطى باسترساله صورة واضحة كمفتتح وإشارة إلى المتون القادمة ، أو الفصول التي تليه . فهو لم يلغ عنه وظيفته في الإخبار ، وإنما يمركز المفتتح من حاصل التحصيل في افتراق ( هارون الرشيد ) عن البرامكة ، وليس وفق السياق التاريخي . لذا فالرواية هنا ذات نمط وشكل مدور . أي ابتدأت من نقطة انتهاء الحدث التاريخي . إذ نبدأ بالنقطة التي ابتدأتها الدائرة الشعرية ـ الرواية ـ مجازا و ـ الملحمة ـ تخصيصا ً . إذ ورد مثل :

{ إن قيل شعر فهم مدحه

وإذا قيل نثر فهم صدحه

وإذا قيل فهم صرحه

وإذا هب جمر فهم قدحه }

وهذا استشراف جامع لكل مجريات الديوان ، استطاع أن يستقل بذاته أولا ً ، وأن يفضي إلى ما أجده من فصول ثانيا ً . ويبقى صوت الخليفة ، حالة مزيجه من إبراز الخصائص والمراجعة الذاتية . وهي حالة تقصّ سردي لدواخل ( هارون الرشيد) لبلورة شخصيته خارج سياق النمط التاريخي . بل أخذه كشريحة إنسانية لها مالها وعليها ما عليها . بمعنى أتى على الحس الجوّاني عندها . أي تقشير الشخصية للوصول إلى قاع الذات النقية ، والشواهد في الفصل وغيره الكثير منها :

{ من يأنس في هذا الكرسي الهالة والخاتم

والحشم الأنذال

وهتك غلالات الليل }

هذه الرؤية بما تحمله من طاقة المراجعة تقود إلى نوع من التحدي أو التخلي والمراجعة والامتحان كما نرى هنا :

{ إذن فليأت مكاني

ليرى الكلمات النافذة على الحجاب

صغار الأنفار

إماء الغرف

وما ملكت أيمان الخلفاء }

وهذا يقود إلى الإحساس بالفقدان والأسف على ما فات والدليل في ما يلي :

{ فأنا كسرى المتحجر

مشجب شعراء المدح

وفضة قاعات العيد

أنا بالون الكذبة

أو ديكور اللغة }

لذا يتم منولوجه الداخلي أو مراجعته الذاتية ، بأن يـُسفر عن الصورة الأكثر نصاعة . فالتخلي عن كل شيء ؛ هو إما حصل للشخصية وما توصلت إليه من نتيجة مقابل عدم خسران الآخرة . وهو منحى مثيولوجي ـ ديني كالاعتراف بالخطيئة :

{ قلت له إجلالا ً يا يحيى أبتي , أجلس فوق العرش

وهذي غيمتنا الممتدة من أرض التـُرك إلى الأنبار حلال لشقيقي الفضل وجعفر

وتصرف في الدولة }

وهي خلاصة استقرائية ذاتية لمجمل تجربة ( هارون الرشيد ) من خلال مخلـّقة شعرية . بينما فصل الوزير يفرز مشكلة الحياتي والتاريخي ، ومحاولة للحفاظ على سلطة ( هارون الرشيد ) بحيث يحدث نوعا ً من التأكيد على أن ما هو عائد في مـُلك العباسيين هو في الأساس يعود لهم ، ليحيى أبو الفضل وجعفر ، وهـب بادرة انتبه إليها ( الرشيد ) وحقق باتجاهها وعيا ً يعني تهديد ملكه , وتمادي البرامكة :

{ بسطت الأرض لهارون , وأنقذت الهادي من قابيل }

أو :

{ أنا روح الماء

ومن هب من الشرق ليهب التاج , وصدر العاج ،

وسرج الحجاج , لأبناء

العباس الأخيار}

ومقابل ذلك يسأل :

{ فلماذا لا أركب أسد الساح

وأحمل لؤلؤة الأنهار ..؟؟}

وبهذا تُستكمَل في النص دائرة القصور عند البرامكة ، لتضاف إلى متشكل الفصول والشاهد والخليفة معنى آخر وكشفا ً لمشهد العلاقة بين الخليفة والبرامكة . وهذا ما عنيناه بالتواصل البنيوي والتشكل في النص بشكل عام .

هامش/ المتوكل طه / حليب أسود / إصدار إتحاد الكتّاب ـ القدس 1999

* قاص وناقد عراقي

للعــــــــــــــــودة للصفحــــــــــــة الرئيســـــــــــــــــة – العدد العاشر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق